البحث عن أمل
فى دروب المعاناة
فى انتظار قدوم المولود تبتهج الأسرة الكبيرة (الأجداد) و
الأسرة الصغيرة (الأب و الأم)، الكل متحمس فى انتظار الحدث السعيد و قدوم فرد جديد
للعائلة سيكون امتدادا و تواصلا للأجيال ما بين العائلتين الكبيرتين. صرخات
الميلاد ما أحلى وقع سماعها على الآذان ..أول مرة تتفتح عيناه..أول ابتسامة من
المولود.. أول خطواته..أول أسنانه..أول حروفه.. أول كلماته..
لكن ..
ماذا يحدث فى الأسرة إذا.. كان هذا المولود مصابا بعيب خلقى ما؟
مصاب بأحد درجات التخلف العقلى؟ بله مغولى أو متلازمة داون؟ بل ماذا لو كان هذا
الأمل الوليد مصابا بما يعرف بأحد أمراض طيف التوحد؟ ماذا لو اكتشف أن المولود
عنده ضمور بالمخ؟ أو غيرها من الأمراض التى تسبب اضطرابات فى النمو والتطور؟
ستنقلب الفرحة حزنا عميقا يتغلغل فى أركان الأسرة بأكملها
كبيرها و صغيرها .. و ستكثر الدعوات و الصلوات و تبدأ رحلة فى درب المعاناة؟ لماذا
هو درب المعاناة ..و نحن فى القرن الحادى و العشرين و الطب يعتبر فى أحسن حالاته
على جميع المستويات...
هو درب للمعاناة لكل من كتب له القدر أن يكون عنده طفل معاق أو
مصاب بأى من اضطرابات النمو أو الاضطرابات النفسية.. لماذا؟
بسبب أن ذوى الاحتياجات
الخاصة ليس لهم صوت يعبرون به عن أنفسهم
..؟ بسبب كثرة الأطباء و كثرة التشخيصات و حيرة الأهالى و دموعهم على أبنائهم حسرة
و ألم.
هل تعلمون أن من ضعفاء النفس من تسول له نفسه إقامة المراكز
التأهيلية دون علم و دون خبرة و خصوصا فى الأقاليم مستغلا لهفة الأهالى لتأهيل
أبنائهم بحثا عن حياة أفضل و بمبالغ لا يطيقها كاهل الأهالى...
بل هناك من ضعاف النفوس من الأطباء النفسيين من يجد فى أهالى
ذوى الاحتياجات الخاصة الفريسة السهلة للخضوع لكم هائل من التحاليل و الأشعات بل و
تجربة الأدوية " ما هو كده كده الواد ما فيهوش أمل و أدينا بنجرب"
أين الضمير؟ أين الوعى ؟ أين نحن من ذوى الاحتياجات الخاصة؟
لا أستطيع أن أنكر أن هناك بعض لمحات أمل فى الجمعيات الخاصة
الخيرية التى تقدم خدمات لتأهيل الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة قدر المستطاع و لكن
هذا وحده لا يكفى.
الأسوأ أن بعض هذه الأمراض ما زالت تشكل غموضا و لا علاج لها و
يبقى العلاج فى التأهيل للاعتماد على النفس و المشاركة فى المجتمع.
ذوى الاحتياجات الخاصة مثلنا جميعا لهم الحق فى الحياة .. لهم
الحق فى العلاج.. فى مراكز لتأهيلهم ... و أهالى ذوى الاحتياجات الخاصة أيضا لهم
الحق فى المساندة و الدعم .. يكفى أن يشعروا أن هناك من يهتم لمساعدة أبنائهم. فحلم
كل أب و كل أم أن يرسم لابنه مستقبلا مشرق
و يطمئن على غده ..
و إليكم بعض مقتطفات فى محاولة يائسة للبحث عن احصائيات بأعداد
ذوى الاحتياجات الخاصة فى مصر...
" لا يوجد إحصاء رسمى حديث عن عدد المعاقين فى مصر. وتشير
معظم التقارير إلى أن عدد المعاقين فى مصر لا يقل بحال من الأحوال عن 8 ملايين
معاق، من بينهم 2 مليون طفل، بل إن بعض التقارير يصل بهذا الرقم إلى 10 ملايين
معاق. ولا شك أنها أرقام تثيرالفزع، لأنها تعنى ببساطة وجود مواطن مصرى معاق من
بين كل 8-10 مصريين، ومن ثم تشكل ظاهرة تستدعى الدراسة والتأمل، للتعرف على
أسبابها وآثارها، ولمعالجة متطلباتها واحتياجاتها. (المصرى اليوم 23/9/2011 (http://www.almasryalyoum.com/node/498409"
" كشفت بعض التقارير ان طفلا من بين كل 80 طفلا فى مصر
يعانون من مرض "التوحد" . يذكر أن التوحد هو اضطراب عضوى عصبي ناتج من
خلل فى اجزاء معينة من المخ تحدث للاطفال عند تعرضهم لمؤثرات بيئية و وراثية
متنوعة ينتج عنها اعاقة فى مهارات اللغة والتواصل الاسرى والسلوك الفردى ومهارات
اللعب لدى الطفل وقد تم اختيارالثاني من ابريل من كل عام ليكون يوما عالميا للتوحد
حيث يقدر عدد المصابين بالمرض باكثر من 67 مليون طفل علي مستوي العالم. وان تقرير
منظمة الصحة العالمية اكد ان الاصابة بالمرض فى مصرعام 2008 بلغ 15% فى حين اشار
تقرير المجلس القومى للطفولة والامومة بلغ 8% وان عدد المصابين بالمرض عام 2001
بلغ 2مليون و300 الف وسيرتفع فى عام 2017 الى 2 مليون و900 الف. ( الوفد 12/4/2012 )"
" الأكثر فزعا اننا لا نملك احصائيات لعدد مرضي التوحد في
مصر وباجتهادات محدودة تشير الي ان لدينا6 الي7 اطفال لكل ألف طفل يولد يصاب بهذا المرض، بينما في اليابان9 حالات
لكل عشرة الاف طفل, و4.5 طفل في الدانمارك لكل عشرة آلاف طفل. فارق مفزع في الأرقام, ولا أحد يلتفت إلي ان جزءا من ثرواتنا
البشرية يهدر ويدمر, ليس هذا فقط, بل نزيد الام ملايين الأسر, نحملهم مالايتحملون نفسيا وماديا وبدنيا. التوحد لمن
لا يعلم هو أحد الاضطرابات التي تصيب النمو العقلي والانفعالي والاجتماعي وعلاجه يحتاج
الي امكانات ومؤسسات كبيرة ليأتي بنتائج محدودة فهو علاج نفسي واجتماعي ودوائي, بعض
الدول نجحت في تقليل نسب المرض بالتوحد, وبعضها حقق نتائج جيدة في العلاج مثل المملكة العربية السعودية، فلديها مراكز ومؤسسات تعالج
بالفن والموسيقي والرسم. (الأهرام 19/8/2011 http://www.ahram.org.eg/Friday-mail/News/96120.aspx)"
سأركز فى كلامى على مرض التوحد... بسبب غموضه و انتشاره المذهل
و المفزع..عندما تذهب لعيادات أطباء الطب النفسى للأطفال ستندهش من كم الحالات
التى يتم تشخيصها بالتوحد.. التوحد كمرض مشكلته عدم تفاعل الطفل مع الآخرين و
صعوبة التواصل مع العالم الخارجى و عدم القدرة على الاعتماد على النفس ..و هو كمرض
يندرج تحته العديد من الأمراض المسماة بطيف التوحد .. و يختلف فى شدته من طفل
لآخر... بل أن كل طفل مصاب بالتوحد يختلف عن غيره...لذلك البرامج التأهيلية لابد
أن يتم تصميمها لتناسب كل حالة لتعالج نقاط الضعف و تعزز من نقاط القوة لدى
الطفل...
الطفل التوحدى يحتاج لبرامج تعديل سلوك و تنمية مهارات و تخاطب
لكى يكون قادرا على التواصل مع العالم الخارجى ... فلابد من توافر المراكز
المتخصصة التى توفر لهؤلاء الأطفال ما يحتاجونه...
للأسف سأسرد بعض الحالات التى رأيتها بنفسى تتجه
للمراكزالتأهيلية التابعة للجمعيات الخيرية بعد المعاناة مع المراكز الخاصة التى
لا هم لها سوى البيزنس و جمع المال و استنزاف طاقات الأهالى ...(ملحوظة الأسماء
الواردة فيما بعد ليست حقيقية)
- الطفل حسن-
تم تشخيصه بأنه يعانى من التوحد فى عمر 3 سنوات و عمره حاليا 3
سنوات و 3 شهور و يخضع لبرنامج
تعديل سلوك حيث أنه يعانى من فرط الحركة وقلة الانتباه
- الطفل محمد-
يعانى من التوحد الشديد و فى بعض الأحيان يصاب بنوبات صرع و
يخضع لعلاج دوائى بالاضافة الى محاولات التدخل بتعديل السلوك و تنمية المهارات
- الطفل أيمن-
عمره 3 سنوات و خمس شهور يعانى من التوحد .. يخضع لبرنامج
تدريبى منذ 6 أشهر و بفضل الله أصبح يستطيع اطاعة الأوامر و التحدث بكلمات مفهومة
و بدأ فى تعلم الكتابة.
المشكلة الحقيقية هى فى دمج الطفل التوحدى فى برامج التعليم
العادى ..بعض الأبحاث أشارت إلى أن الأطفال التوحديون تصل معدلات ذكائهم الى 50%
أو أقل و البعض من 50-70% و القليل
منهم تكون معدلات ذكائهم أعلى من 70%.
بقى لنا أن نعلم أن الطفل التوحدى عند اعداده بالبرامج اللازمة
و اكسابه المهارات يستطيع أن يحيا حياة طبيعية مثل باقى الأطفال..بل و يستطيع
التعلم و الابداع..
بعض الاطفال التوحديين لهم قدرات خارقة ومعدل الذكاء أعلى من
الطبيعي ويصبحو نابغة في مجالات مختلفة مثل العلوم والرياضيات والادب والرياضة وبعضهم أصبح مخترعا وعلماء سجلهم
حافل في التاريخ منهم على سبيل المثال : ألبرت إينشتاين وبيل جيتس وتوماس جيفرسون وتوماس إيديسون وإسحاق نيوتن وموتسارت وبرنارد شو وتمبل غراندين.
فهل يجد أطفال التوحد فى مصر من يفتح لهم طاقة أمل؟ و هل يجد
أهالى ذوى الاحتياجات الخاصة من يمد لهم يد المساعدة بدلا من نظرات الشفقة؟